أيتها المقاعد الصامته ..
تحركي .. ليلتنا جديدة ،
لا تشبه الليالي الفائته
ليلتنا واسعة مضيئة
وهذه الجدران
تراجعت لنجمة تدور
لريح صيف ، أقبلت بشهقة الزهور
أحس أن .. زائرا ما ، يقطع الطريق لي ..
وبعد ساعة ، إن لم يجيء
سأترك المكان
بالأمس طائر الغرام زارني ،
جناحه أخضر
أليس حقا ما أقول ؟
جناحه أخضر ،
وبالندى ، جناحه مبلول !
أليس حقا ما أقول ؟
هنا وقف ،
دار على منازل الحي ، ودار وانعطف
تابعته .. كان فؤادي يرتجف
حتى وقف
هنا على الغصن الذي يميل نحونا
وبعد أن مرغ في الأنسام منقاره
واسترجع السر الذي يود إسراره
قال بصوت ، سره أني الوحيد سامعه
(( يا أيها السعيد
عندي كلام لك ،
حملته من منزل بعيد
سيدتي .. صبية ، تسقي الزهور بالنهار
وفي المساء تستريح في جوارها
وجامعوا الثمار حين يتعبون ،
يهوون في ظلّ الجدار
ألم تمرّ من هناك ؟
قلت .. بلى ،
أمر مرتين ، في الضحى ، وفي الغروب !
قال .. رأتك سيدي ، يا أيها السعيد
وابتسمت ، فنهل لمحت ثغرها الجميل يبتسم ؟
قلت .. نعم !
قال .. أقول والكلام سر ؟!
قلت .. تكلم ، انني وحيد
مالي صديق ، غير هذه الكتب
قال .. انتظر غدا !!
***
وبعد صمت لم يطل
الطائر الأخضر طار
الغصن ما زال بسحره يميل
كأنه ما غادر الغصن ، ولا أختفى
كأن نجمة خفيّة تدور
كأنني أحسّ رحلة العصير
وهو يسير في شرايين الزهر
كأنني شجيرة من الشجر
مرّت بها الامطار
فسار في أعماقها حلم الثمر
وانحلّت الأسرار
بعد طفولة طويلة ، بعد انتظار !
***
أيتها المقاعد الصامته
ما زلت صامته !
ما زالت الكتب ،
تلا على الرفوف ، قاحلا بلا زهور !
العالم الجميل فيها ، كومة من السطور !
الليل فيها ، ميت بلا شعور !
لكننا نقطعه بها ،
وعندما نملّها ، تأتي الطيور في المنام
هامسة .. غدا ، غدا !
لكنّ صبحا ينقضي ، ويقبل المساء
ولا ندى .
ولا لقاء !!
عبد الناصر يوليو 1956
فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا
أمر تحت قوس نصر
مع الجماهير التي تعانق السّنى
تشد شعر الشمس ، تلمس السماء
كأنها أسراب طير
تفتّحت أمامها نوافذ الضياء
***
فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا
أزاحم الجموع
أخوض بحرا أسمر المياه
أخوض بحرا من جباه
بحر الحياة ـ ما أشد عمقه ! ـ بحر الحياه
طوفانه يا شعراء سيد مهيب
يمضي فتنحني السدود
ويفتح الضياء ألف كوة عليه
ويطلق البوق النحاسي النشيد
***
فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا
أشاهد الزعيم يجمع العرب .
ويهتف (( الحرية .. العدالة .. السلام
فتلمع الدموع في مقاطع الكلام
وتختفي وراءه الحوائط الحجر
حتى العمودان الرخاميان يضمران ،
والشرفات تختفي ،
وتمحي تعرّجات الزخرف
ليظهر الإنسان فوق قمة المكان ،
ويفتح الكوى لصحبنا
يا شعراء يا مؤرخي الزمان
فلتكتبوا عن شاعر كان هنا
في عهد عبد الناصر العظيم !!
-----------
(نوفمبر 1957)